جاء إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين من لدن وزارة التربية الوطنية بغرض إصلاح منظومة التكوين بالنظر لأدواره المفصلية في مد المنظومة بالعنصر البشري، مادامت أزمة القطاع الجزء الكبير منها مرتهن بهذا العنصر. إلا أن الاختلالات لازالت موجودة وبدايتها من هيكلة هذه المراكز. لتقريب القارئ والمهتم أكثر من وضعية هذه المراكز، ارتأت جريدة «المساء» أن تحاور عبدالله بوغوتة، مدير المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين للجهة الشرقية.
– ألا يحق لنا أن نقول إن العشوائية والاعتباطية لازالت تهيمن على هذه المراكز، وبالتالي أي منتوج متميز ننتظره من مراكز بالاسم فقط؟
< لقد أحدثت المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بمقتضى المرسوم 2.11.672، الذي حدد لها مهام واختصاصات هي في طريق البناء، وذلك بالإرساء التدريجي للمهام المنوطة بهذه المراكز؛ بحيث انطلق سلك تأهيل أطر هيئة التدريس المتدربين في بداية السنة التكوينية 2013/2012 أي مباشرة بعد صدور المرسوم، ولقد اشتغل نخبة من الأساتذة العاملين بالمراكز إلى جانب عدد من المفتشين والأساتذة الجامعيين وغيرهم ممن لهم علاقة بهذا السلك، بحيث عمل الجميع ولمدة غير يسيرة على إخراج النسخة الأولى من هندسة وعدة التكوين، والتي خضعت خلال السنة ذاتها لمرحلة تجريبية توجت بتقويم داخلي وآخر خارجي، كان إلى جانب أيام دراسية نظمت في بداية السنة 2014/2013، أرضية خصبة للمحطات الأربع لندوة المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، التي أسفرت على النسخة الثانية من هندسة التكوين، ومقترحات لعدد من النصوص التنظيمية لاستكمال عملية الإرساء، وهي الآن في مرحلة متقدمة، لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن هذه العملية الإصلاحية الكبرى تستوجب ما يكفي من الوقت والشروط الذاتية والموضوعية لنتمكن من تقويمها بشكل منصف، ومن ذلك بشكل خاص التمفصل والتكامل بين فضاء التكوين والتأهيل والتدريب، أي تكوين أساس بالجامعة لا يقل أهمية عما عليه الأمر بالمسالك التخصصية الأخرى، ثم سنة تأهيلية بالمراكز تتسم أساسا بالمهننة وتحترم أنموذج الاشتغال (عملي – نظري – عملي)، أي الانطلاق من الممارسة ثم تحليل الممارسة فالوعي بالممارسة، والقطع من أنموذج نظري-تطبيقي، كما ينبغي التركيز على هوية المراكز التي ليست مؤسسة مدرسية ولا جامعية، ولكن هي مؤسسة للتعليم العالي غير تابعة للجامعة، ومهمتها الأساسية هي المهننة.
وماذا بعد التخرج؟ هل يعتبر الأستاذ المترب مؤهلا لمزاولة مهنة التدريس؟
< هنا لا يمكن بأي حال أن نغفل الفضاء الثالث وهو التدريب الفعلي بعد التعيين، لسنة أو سنتين، بحيث يستفيد الأساتذة المتدربون المتخرجون من مصاحبة ميدانية، تؤهلهم ليصبحوا مرسمين بعد امتحان الكفاءة في نهاية السنة الأولى أو السنة الثانية على الأقل، وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أنه ينبغي القطع مع قاعدتين معروفتين وهما «من ولج المركز يعتبر ناجحا بالضرورة بعد سنة تأهيلية» ومن تخرج يعتبر مرسما أوتوماتيكيا بالضرورة، مع اعتماد آليات جديدة للترقية خلال المسار المهني كالبحث التربوي والتكوين المستمر الذي ينبغي اعتماد نموذج أكثر فعالية وجاذبية من الذي ساد منذ عقود، إلى غير ذلك مما يؤهل الموارد البشرية العاملة في قطاع التربية والتكوين إلى المكانة التي تليق بها وبتاريخ المغرب ومكانته، هذا إلى جانب عدد من الآليات والمرتكزات والشروط والضوابط، كلغة التدريس وتدريس اللغات خصوصا الأداتية منها والتي لها ارتباط وثيق بالهوية والحضارة المغربية…
– فتحت هذه المراكز إمكاينة التسجيل في السلك الثاني. ما هي الإضافة التي يمكن ان تحققها هذه الخطوة؟
< السلك الثاني هو سلك التحضير لمباريات التبريز والتي انطلقت بالفعل منذ السنة 2014/2013، وسلك تكوين أطر الإدارة التربوية والذي انطلق بصفة رسمية في بداية هذه السنة بأربعة مراكز كمرحلة أولى.
وإرساء هذه الأسلاك الثلاثة ما هو إلا إرساء للمهمة الأولى، أما المهمة الثانية فهي تنظيم دورات للتكوين المستمر واستكمال الخبرة لفائدة مختلف فئات موظفي الوزارة، فضلا عن العاملين بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي والمساهمة في تنفيذ وأجرأة استراتيجية الوزارة في مجال التكوين المستمر بتنسيق مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين؛ والمهمة الثالثة تتجلى أساسا في تطوير أنشطة البحث العلمي التربوي النظري والتطبيقي في المجالات التربوية والبيداغوجية والديداكتيكية وحكامة المؤسسات؛ وإنجاز الدراسات والأبحاث في المجالات التي تدخل ضمن اختصاصات المراكز، أو التي يتطلبها التكوين؛ وكذلك إنتاج الوثائق التربوية، وكذا القيام بتبادل المعلومات والوثائق ذات الصلة باختصاصات المركز مع الجهات المعنية؛ واقتراح مشاريع إصلاح وتجديد مناهج وبرامج التكوين.
وبما أن الحكم عن الشيء فرع من تصوره، وجب لزوما الاطلاع على المشروع بكامله، والنظر إليه بمآله وغاياته، وهذا لا يمنع من وجود بعض الاختلالات، التي نعمل جاهدين على تذليلها بتعاون وتنسيق تامين مع كل الشركاء سواء من داخل القطاع مركزيا وجهويا، أو من خارج القطاع…
– ألم يطرح إدماج ما كان يسمى فيما مضى بالمدرسة العليا للأساتذة في هذه المراكز، إشكالية إيجاد الأطر العليا والكفأة من المكونين، لأن هناك شكاوى في مراكز أخرى من ضعف التكوين؟
< فيما يتعلق بالمدارس العليا للأساتذة فقد التحقت ببنيتها المادية والبشرية بالجامعة، وهي جزء منها تؤدي دورها حاليا في إطار نظام LMD، أما دورها السابق وهو تكوين أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي فقد أنيط بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين وهي تقوم به على أحسن وجه، أما الحديث عن الأطر العليا الكفأة، فهذا كلام لا يستقيم؛ بحيث أن الكفاءة لا ترتبط أساسا بإطار معين، وأن الشهادات وإن كانت معيارا علميا ولكن لا يمكن بأي حال أن تعتبر معيارا وحيدا وأساسيا للكفاءة، وكما أنه لا يمكن إنكار ما قدمته المدارس العليا للأستاذة وما زالت تقدمه لمنظومة التربية والتكوين، فلا ينبغي أن ننسى ما قدمته مراكز تكوين المعلمين والمعلمات، والمراكز التربوية الجهوية، والتي توجد بها أطر كفأة اشتغلت بتفان منذ عقود خلت، وكذا مجموعة من الأطر العليا التي التحقت بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين وتعززت الخبرة بالكفاءة، في إطار من الانسجام والتناغم، وتبقى النسبية حاضرة في كل مجهود بشري مهما بلغ نضجا وكمالا.
– إلى أي مدى نعتبر العدة التربوية والتأطيرية والتكوينية قادرة على منحنا عنصرا قادرا على رفع تحدي الإصلاح مستقبلا؟
< عدة التكوين الحالية بالمراكز هي في سنتها الثالثة وهي في تطوير وتجويد مستمرين، وهي في هندستها ومضامينها قمينة بتخريج أطر تربوية في المستوى المطلوب، لكن لا ينبغي أن ننسى أننا ما زلنا في بداية الطريق، والعدة مهما بلغت من القوة والكمال مبلغا فهي محتاجة إلى مجموعة من الشروط والآليات عند التفعيل والإرساء، ومن ذلك أساسا تضافر جهود جميع المتدخلين والمعنيين بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا الورش الوطني العظيم، بحيث ينبغي ضرورة ولزاما أن نعتبر الاستثمار في تكوين وتأهيل أطر المنظومة التربوية لا يقل أهمية عن أي مشروع وطني آخر، بل ينبغي اعتباره من المشاريع الاستثمارية ذات الأولوية، وذلك بتخصيصه بالدعم والاهتمام وتوفير كل الإمكانات والموارد البشرية والمالية واللوجيستية القمينة بإنجاحه.
– أين وصل مشكل المرشدين، وهل تمت تسوية المشكل تسوية شاملة وبشكل نهائي؟
< بداية ينبغي توجيه كل التقدير والاحترام والإجلال لهذه الفئة من نساء ورجال التربية والتكوين الذي يعتبرون بحق مكونين شركاء في مجال تأهيل المتدربين بالمراكز خصوصا هيئة التدريس وأطر الإدارة التربوية، أما ما يتعلق بمستحقاتهم المادية للموسمين السابقين فهي في طريق التسوية في أقرب الآجال، وفي هذا السياق لا بد أن ننوه بما قامت به أكاديمية الجهة الشرقية في شخص السيد المدير الذي يشرف شخصيا بمتابعة هذا الملف وكل ما يتعلق بإنجاح منظومة التكوين بالجهة، ومرة أخرى أقول إن ما يقوم به السادة والسيدات المرشدون من مجهودات وتضحيات في سبيل تجويد التأهيل والتأطير الميداني، هو أكبر من أي اعتبار مهما بلغت قيمته.
– كيف تنظرون إلى ما أقدمت عليه الوزارة في شأن إحداث مسلك خاص بتكوين أطر مكلفة بمهام الإدارة التربوية؟ وهل المركز مؤهل ليقوم بهذه المهمة في غياب التجربة في هذا الشأن؟
< إن إحداث مسلك تكوين أطر الإدارة التربوية يدخل في إطار تفعيل وإرساء مهام المراكز، وهو صيغة جديدة لتكوين أطر الإدارة التربوية، بحيث أننا ننتقل تدريجا من النظام التكويني الذي يرتكز على الاستفادة من أسابيع تكوينية مركزة خلال بضعة أسابيع تتخلل التحمل الكامل بالمهام على مستوى المؤسسات التعليمية، إلى الصيغة الجديدة التي تعتمد الانتقاء الأولي ومباراة الولوج، ثم التكوين لمدة سنة كاملة بالتناوب بين التكوين الحضوري بالمركز والتداريب الميدانية والتكوين الذاتي والبحث التربوي ذي الصبغة الإدارية، ولقد تم اختيار مركز الجهة الشرقية (الفرع الإقليمي بوجدة) ليكون فضاء لهذا التكوين على مستوى قطب الشمال الشرقي (أكاديميات: مكناس-تافيلالت وفاس-بولمان، وتازة-الحسيمة-تاونات، والجهة الشرقية)، بحيث يضم 30 متدربا من أصل 110 على المستوى الوطني بأربعة مراكز، أما الكلام عن التجربة فليس هناك أي مركز على المستوى الوطني له تجربة سابقة في هذا المجال لأنها تنظم لأول مرة بالمغرب، وفيما يخص الأطر فإن الجهة الشرقية تزخر بكفاءات من المستوى العالي ممن لهم خبرة متميزة في علاقتها بمجزوءات التكوين الخاصة بالتكوين في هذا المجال، وبهذه المناسبة فإنني أتقدم بالشكر والتقدير لكل من يسهم في إرساء هذا المسلك سواء على مستوى التكوين الحضوري بالمركز أو التكوين في إطار الزيارات واللقاءات التكوينية التي ننظمها داخل المركز أو بمصالح الأكاديمية والنيابات بالجهة، ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أتقدم بالشكر والامتنان لكل هؤلاء الأطر الذين يعملون بجانبنا لإنجاح هذا المسلك، دون أن أنسى السادة والسيدات المديرين الكفلاء الذين لا يقومون بالتداريب الميدانية بالمؤسسات التي يشرفون على تدبيرها، وكذا جميع الشركاء والمتدخلين.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق