أعادت المذكرة التي أصدرتها نيابة التعليم بالعاصمة الرباط، والتي تحث مديري ومديرات المؤسسات التعليمية على الرفع من عدد تلاميذ القسم الواحد إلى ما فوق الأربعين تلميذا في أفق الخريطة المدرسية للموسم القادم، قضية البنيات التحتية التي لا تزال تشكل إكراها حقيقيا أمام تحقيق رهان الجودة الذي تسعى إليه المدرسة المغربية.
ولم تقدم المذكرة سرا جديدا حول معدل التلاميذ في القسم الواحد، والذي يفوق عادة الأربعين وقد يصل أحيانا إلى خمسين تلميذا في الفصل الواحد، خصوصا في بعض المؤسسات التعليمية بالوسط القروي. لكنها جعلت المسؤولين يكشفون عن هذه الحقيقة على الرغم من أن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني سارعت لنفي علاقتها بهذه المذكرة، وقالت إن ذلك يهم نيابة واحدة هي نيابة الرباط.
اليوم والمدرسة المغربية تتطلع لهذا الإصلاح التربوي المنتظر سواء ذلك الذي سيحمله تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أو الذي سطرته وزارة السيد رشيد بلمختار، لا أحد انتبه لهذا الإكراه الذي يعني واقع المؤسسات التعلمية، وضرورة تأهيلها لكي تقوم بدورها على الوجه الأكمل. لذلك قد تذهب كل الإجراءات التي يمكن أن يحملها مشروع الإصلاح أدراج الرياح إذا لم تجد في استقبالها مؤسسات تعلمية مؤهلة.
وليس غريبا أن يعترف أكثر من مسؤول أن غياب المراحيض، مثلا عن مؤسسة تعليمية في الوسط القروي، يكون سببا مباشرا في الهدر المدرسي الذي يطال التلميذات على الخصوص. لذلك كان المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم والذي لا تزال الكثير من مشاريعه في حاجة لتفعيل وإعادة الروح، قد وضع ضمن هذه المشاريع واحدا يعنى بتأهيل المؤسسات التعليمية بعد أن كشفت عملية التشخيص عن واقع مترد.
تقول الأرقام إن ما يفوق 9 آلاف حجرة دراسية تعتبر غير صالحة لاحتضان التلاميذ واستقبالهم. وإن 60 في المائة من المدارس الموجودة في العالم القروي، غير مرتبطة بشبكة الإنارة. وإن أكثر من 70 في المائة منها لا يوجد بها ماء. في حين أن 80 في المائة من هذه المدارس والمجموعات المدرسية توجد بدون دورات مياه. وعليه فقد كانت الحاجة تفرض ضرورة إحداث 260 مؤسسة تعليمية كل موسم دراسي، لا تتمكن الدولة من بناء غير 90 مؤسسة سنويا.
يعترف المتتبعون للشأن التربوي أن ظاهرة الهدر المدرسي التي تشكل واحدة من عناوين فشل المنظومة التعليمية ترتبط في شق منها بفضاءات المؤسسات التعليمية التي تفتقد لأبسط شروط الاستقبال كدورات المياه والإنارة والماء الصالح للشرب. وعليه، فالعلاقة وثيقة بين تحسين فضاءات المؤسسات التعليمية، وتحقيق الجودة. لذلك كان المخطط الاستعجالي قد وضع ضمن مشاريعه إحداث 2500 حجرة إضافية في التعليم الإبتدائي، منها 1700 حجرة في العالم القروي. وإحداث 720 مؤسسة إعدادية جديدة بمعدل 6800 حجرة إضافية.
كان مشروع هذه البنايات طموحا، بحسب الكثير من المتتبعين الذين يعرفون حقيقة بنيات الاستقبال. غير أن تنفيذه تأخر كثيرا، أولا لأن المخطط الاستعجالي توقف في منتصف طريقه لأسباب سياسية. وثانيا لأن جل الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين لم تنجح في المهمة بعد أن ظلت تنتظر مطولا تأشيرة وزراة المالية. كما أن الكثير من هذه الأكاديميات لم تكن تعقد مجالسها الإدارية في الوقت المناسب لكي تتأتى لها المصادقة على صفقات الإحداث هذه. والحصيلة هي أن جل الأكاديميات الجهوية لم تتمكن من صرف غير جزء يسير من ميزانياتها تراوحت بين 40 و45 في المائة.
حينما اختارت وزارة التربية الوطنية أن تضع ملف البنايات بيد الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين عملا بمبدأ الاستقلالية واللامركزية، لم تنتبه لشق أساسي هو المتعلق بغياب المؤهلات البشرية العارفة بتدبير ملف الصفقات. وعلى الرغم من الخطوة التي كان قد أقدم عليها وزير التربية الوطنية الاتحادي حبيب المالكي، والذي فتح أمام أطر الأكاديميات الجهوية فرصة التكوين في هذا المجال، إلا أن التجربة توقفت في بدايتها. وظلت هذه المؤسسات فاقدة للموارد البشرية القادرة على حسن تدبير وصرف الاعتمادات المالية التي حولت إليها من قبل الوزارة الوصية.
لم يفوت الكثير من المتتبعين الملاحظة كون تحويل ملف البنايات المدرسية من يد الإدارة المركزية لوزارة التربية الوطنية إلى الأكاديميات الجهوية، كاد يبعدها عن الدور الأساسي الذي يفترض أن تضطلع به وهو التربية والتعليم، خصوصا لافتقادها للتجربة والأهلية. لذلك كانت بعض الأصوات قد نادت بضرورة وضع ملف البنايات المدرسية بيد وكالة، أو مؤسسة خاصة لها ما يكفي من الإمكانيات والكفاءة لتكون قادرة على الوفاء بالالتزامات، بعد فشل تجربة الأكاديميات التي لا تزال الكثير من مشاريعها متوقفة إلى اليوم بعد أن دخل بعضها إلى ردهات المحاكم حيث يتواجه مسؤولوها مع المقاولين الذين لم يحترموا ما حمله دفتر التحملات على مستوى جودة الإنجاز، أو على مستوى مدته. والحصيلة هي أن عددا من الخرائط المدرسية هنا وهناك لم تلتزم بما سطرته، واضطرت بعض المؤسسات التعليمية إما لرفض استقبال التلاميذ، أو استقبالهم في ظروف سيئة قد يصل فيها عددهم في الحجرة الواحدة إلى خمسين تلميذا تزيد أو تنقص.
وارتباطا بهذا الملف الحساس المتعلق بتأهيل المؤسسات التعلمية وعلاقة ذلك بتحقيق الإلزامية، والوصول إلى الجودة المفترضة، يطرح إشكال آخر لا يقل أهمية، وهو المتعلق بالصيانة والمحافظة على المؤسسات التعليمية.
لنعترف أولا أن جل المؤسسات التعليمية تفتقر اليوم لأعوان الخدمة بعد أن أوقفت وزارة التربية الوطنية تشغيل هذه الفئة. لذلك يضطر المدرس رفقة تلامذته للقيام بمهام الصيانة أو النظافة مكرها. لذلك كان المخطط الاستعجالي قد انتبه لهذا الأمر حينما دعا إلى ضرورة إشراك الجماعات المحلية في عملية الصيانة وحماية فضاء المؤسسات التعلمية من التلف والتخريب خصوصا أثناء العطل المدرسية. غير أن الأمر ظل مجرد مشروع لم تقتنع به الجماعات المحلية، التي ظلت تعتبر نفسها غير معنية بقضايا التربية والتعليم سواء تعلق الأمر بشق حماية وصيانة المؤسسات التعليمية، أو تعلق بانخراطها في مشاريع التعليم الأولي، التي تعتبر من مهام الجماعات الترابية كما يحدث في جل الدول التي نجحت في هذه التجربة.
يقول أهل التربية والتعليم إن الزمن المدرسي زمن بطيء، لذلك تصبح عملية التقييم لنجاح هذا المشروع أو فشله، تتجاوز الزمن السياسي والحكومي لأن النتائح الفعلية لا تظهر إلا بعد عقد أو يفوق من الزمن. وعليه فقد كان المخطط الاستعجالي في حاجة للوقت قبل إخضاعه للتقييم لاسثتمار ما تحقق فيه إيجابا، وتعديل ما لم ينجز، بدلا من إنهاء العمل به دفعة واحدة وهو الذي كلف مالية الدولة أكثر من أربعين مليون درهم، خصوصا وأنه حمل معه أكثر من عشرين مشروعا كان ضمنها مشروع أساسي هو تأهيل المؤسسات التعليمية
الذي لم ينجز غير نسبة قليلة منه.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق