لن يصدر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تقريره النهائي حول الإصلاح التربوي المنتظر، في موعده الذي سبق أن حدد في منتصف شهر مارس أو بداية شهر أبريل. أما السبب فهو إشكالية اللغة التي لم تحسم فيها لجان المجلس سواء المتعلقة بوضعية اللغة العربية بعد حكاية التدريس بالدارجة المغربية، أو تعلق باللغة الثانية بين الفرنسية والإنجليزية.
في أول وآخر تقرير كان قد أصدره، عجز المجلس الأعلى للتعليم في نسخته السابقة، عن التعاطي مع ملف اللغة، ولم يتمكن من الحسم فيه. ولم يكن مبرر هذه المؤسسة، التي كان يترأسها الراحل مستشار الملك مزيان بلفقيه، غير أن قضية اللغة ليست في حاجة لاختيار فكري أو فلسفي، بقدر حاجتها لقرار سياسي من أعلى سلطة في البلاد.
واليوم، نكاد نعيش الأجواء نفسها مع المجلس الأعلى للتكوين والبحث العلمي على عهد رئيسه عمر عزيمان، بعد أن عجز عن الحسم في هذه الإشكالية التي تسببت في تعطيل صدورالتقرير التركيبي، الذي كان مقررا أن يوضع أمام الملك باعتباره المشروع الإصلاحي لمنظومة التربية والتكوين على المدى القصير والمتوسط، والذي قدمت وعود على أنه سيكون جاهزا في منتصف شهر مارس أو بداية شهر أبريل على أبعد تقدير. لذلك عاد السؤال نفسه ليطرح من جديد لماذا لم تنجح المدرسة المغربية في الحسم مع ملف اللغة، بعد كل هذه السنوات على إطلاق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وما تلاه من مخطط استعجالي كلف الملايير؟ وكيف عجزت وزارات التربية والتعليم على التعامل معه بالحزم والصرامة اللازمين، خصوصا بعد أن تم تجريب تعريب تدريس المواد العلمية في الأقسام الابتدائية والإعدادية والثانوية، دون أن يصل التعريب إلى التعليم العالي، الذي ظل تلامذته يشتكون من هذا التباين. والحصيلة هي أن نتائج الجامعة المغربية تدهورت بشكل مخيف خصوصا في المجالات العلمية بسبب هذا الاختيار.
هل حدث ذلك فقط لأن وزارة التربية الوطنية لم تكن تتوفر وقتها على رؤية شاملة للموضوع. أم أنها اعتبرت الأمر واحدا من مهام المجلس الأعلى للتعليم، الذي لم ينجز بشأن ملف اللغة، على عهد رئيسه السابق، غير عقد مائدة مستديرة نشرت خلاصاتها تحت عنوان» اللغات في المدرسة المغربية»، دون أن يصدر بشأنه ما الذي يجب أن تقوم به المدرسة المغربية. وهو الفراغ نفسه الذي تعيشه المدرسة اليوم.
حينما انطلق مجلس عزيمان، بعد أن استكمل أجهزته، في التداول في قضايا التربية والتكوين وأطلق سلسلة مشاوراته التي همت الفاعلين التربويين والشركاء الاجتماعيين والأحزاب السياسية ووزراء القطاع الذين تعاقبوا على تدبيره، اعتقد الكثيرون أن هذا المجلس سيستفيد من أخطاء سابقه خصوصا على مستوى الحسم في بعض القضايا الكبرى التي تشغل بال المدرسة المغربية، ومنها قضية تدريس اللغة ولغة التدريس. غير أن الحصيلة التي نتابعها اليوم تقول إننا نكرر الأخطاء نفسها.
وحينما حمل إلينا السيد نور الدين عيوش، صاحب مؤسسة زاكورة، مشروعه الداعي لاستعمال الدارجة المغربية في التدريس على الأقل في الأقسام الابتدائية، بدا أننا ندخل خندقا أصعب مما كان عليه الأمر سابقا. وكان لا بد أن يدخل على الخط الفاعلون التربويون والمفكرون لوضع السيد عيوش عند حده كيف يمكن أن نوظف الدارجة كلغة في التدريس، على الرغم من أن صاحب مؤسسة زاكورة يقدم بعض النماذج التي يقول إنها ناجحة بفضل هذه الوصفة.
هدأت عاصفة عيوش بعد أن خرج المفكر عبد الله العروي عن صمته وقدم ما يكفي من أدلة ومصوغات لتبيان كيف أن الدارجة لا يمكن أن تكون لغة تدريس. واعتقدنا أننا قطعنا الكثير من المراحل في تنزيل اختيار تربوي يستفيد من أخطاء الماضي، ويبني للمستقبل.
غير أن المفاجأة غير السارة هي أن يتم اختيار السيد نور الدين عيوش ضمن أعضاء المجلس الأعلى للتكوين والبحث العلمي. وهو ما يعني أن الرجل لن ينزل يديه وسيواصل غزواته بداخل المؤسسة التي اعتبرها الدستور المغربي بمثابة برلمان للتربية والتعليم. لذلك تحرك بقوة لكي يدافع عن بعض اختياراته ومنها الإبقاء على اللغة الفرنسية لغة ثانية بدلا من اللغة الإنجليزية.
لقد تحدث الكثيرون في مستهل أشغال المجلس الأعلى للتكوين والبحث العلمي، بمن في ذلك وزراء في حكومة عبد الإله بنكيران، عن قيمة اللغة الإنجليزية، وإمكانية جعلها لغة التعليم الثانية على اعتبار أنها لغة العصر والتكنولوجيا. إلا أن دعاة المحافظة على اللغة الفرنسية تحركوا بقوة. وسعوا لكسب المعركة قبل صدور التقرير التركيبي للمجلس. وبدأ الحديث عن ضرورة حماية هذه اللغة نظرا لجملة من العوامل فيها الاقتصادي والسياسي. وهو التحرك الذي سماه البعض، بالانقلاب داخل المجلس الأعلى للتعليم حينما دعا رئيسه عمر عزيمان لتشكيل لجنة خاصة للنظر في إشكالية الفرنسية أو الإنجليزية كلغة ثانية، بعد أن كان هذا الملف قد أخذ من أعضاء المجلس وقتا وجهدا كبيرين.
لقد كانت اللجنة الدائمة للمناهج والبرامج والتكويانت والوسائط التعليمية بداخل المجلس قد أوصت بإعمال الإنجليزية بدلا من الفرنسية لغة ثانية. وقدمت بشأن ذلك عرضا أمام الجمعية العامة للمجلس. وهو العرض الذي أكد على أننا نعيش في عالم متحول ومتطور يستعمل أكثر اللغة الإنجليزية بالأساس، باعتبار أنها لغة علم وتنمية وتطور، بدلا من الفرنسية التي أضحت، بحسب خصومها في المجلس، عبئا على الثقافة المغربية، وتضييقا لمجال الانفتاح على شعوب العالم.
ودخل رئيس الحكومة وقتها على الخط حينما قال بأن القناعة التي تكونت لديه، هي أن اللغة الإنجليزية أضحت لغة العصر، ولغة العلم والبحث العلمي، ولغة التكنولوجيا، ولغة التجارة. ونحن في الدول العربية نحتاج إلى اللغة الإنجليزية.
رسالة رئيس الحكومة حركت مناصري الفرنسية ليذكروا بأن للأمر أبعادا سياسية أكبر مرتبطة بعلاقة المصالحة المغربية الفرنسية الأخيرة. وهي الأبعاد التي أرخت بظلالها على نقاشات المجلس، مما جعل الرئيس عزيمان يدعو إلى إعادة النظر فيها. كما أن الإبقاء على الفرنسية لغة أولى في المناهج التعليمية، يعود إلى كونها تحتل، بحسب المدافعين عنها، مكانة متقدمة في المنظومة التعليمية المغربية. وهي نفسها اللغة المعتمدة ضمن أكثر من بلد إفريقي، وبعموم الدول الفرانكفونية التي اختار المغرب الانفتاح عليها بشكل أكبر ضمن مساعيه الإستراتيجية سياسيا واقتصاديا. لذلك كان نور الدين عيوش، قد اعتبر في رده على بنكيران، بأن «اللغة الفرنسية ليست لغة المستعمر فقط، بل هي غنيمة حرب».
غير أن أكبر الإشكالات التي تقف أمام منح اللغة الإنجليزية السبق بدلا من الفرنسية كلغة ثانية، هو المتعلق بالموارد البشرية المؤهلة، وهو الذي يكون قد فرض عليها التراجع إلى الوراء في مشروع الإصلاح المنتظر، في الوقت الذي كانت تحتل فيه أهمية كبرى بعد أن طالب رجال سياسة بجعلها لغة ثانية بالنظر إلى أنها لغة العلم والتكنولوجيا. ولذلك يتمنى جل المتدخلين اليوم أن تتوفر لوزارة التربية الوطنية، وللمجلس الأعلى للتكوين والبحث العلمي، الشجاعة الأدبية الكافية للتعامل مع هذا الإشكال ببراغماتية، وذلك بالجواب عن سؤال جوهري وأساسي، أية لغة يمكن أن تنجح في عالم اليوم، بعيدا عن ضغضغة العواطف، التي يظل فيها التليمذ هو الخاسر الأكبر؟
الفريق التربوي بأكاديمية الجهة الشرقية يعقد لقائه السنوي
تفعيلا لبرنامج التعاون مع منظمة اليونيسيف
عبدالقادر كتــرة
احتضنت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين للجهة الشرقية الملتقى السنوي للفريق التقني التربوي الجهوي يومي 2 و3 أبريل 015، تميز بحضور محمد ديب مدير الأكاديمية الجهوية ونواب الوزارة بمختلف نيابات الجهة وخالد الشنكيطي ومريم سكيكة ممثلان عن منظمة اليونيسيف بالرباط وفوزي محمد قصير المنسق الجهوي لبرنامج اليونيسيف والفريق التقني الجهوي ورؤساء الأقسام والمصالح بالأكاديمية ورئيس مكتب الاتصال بالأكاديمية.
خلال هذا اللقاء تم تقديم حصيلة عمل برنامج التعاون لسنة 2014 بين الأكاديمية ومنظمة اليونيسيف. كما تم بسط المحاور الاستراتيجية لبرنامج التعاون مع هذه المنظمة لسنتي 2015 و2016.
محمد ديب مدير الأكاديمية الجهوية عبر، في كلمته الافتتاحية، عن تقديره لممثلي منظمة اليونيسيف على مواكبتهم الدائمة والمتواصلة لما تقوم به الجهة الشرقية في إطار شراكتها المتميزة مع هذه المنظمة الدولية، وعلى مدى الانسجام الذي يحققانه في التنسيق مع الأكاديمية بخصوص تفعيل برامج العمل المشتركة، وعلى حجم التقدير الذي يكنه كل واحد منهما للجهة أكاديمية ونيابات.
وأضاف أن ما يثلج الصدر هو أن هذه المنظمة تنشط بشكل منهجي دقيق على مستوى بعض الفضاءات الجغرافية التي تعاني من حالة هشاشة مركبة، ولهذا تكون تدخلاتها مباشرة ومحددة. بحيث استأثرت بعض المجالات بهذا التدخل، والذي يفسر موضوعيا جدوى الالتفاف حول الأطفال واليافعين وأهمية القيام بمجموعة من العمليات. فلقد تمكنت الأكاديمية واليونسيف من تحقيق التقدم على مستوى الرفع من مؤشرات الأداء في الكثير من مناطق التدخل المشترك.
ودعا مدير الأكاديمية في إطار المقاربة التشاركية بين الأكاديمية واليونيسيف إلى التفكير الجدي في عملية إرساء مبدأ الاكتفاء المهاري لدى ناشئتنا والذي بإمكانه أن يرفع من مؤشرات التعلم جهويا إضافة إلى تقوية قدرات الفاعلين في مجالات تدخل منظمة اليونيسيف وأضاف بأن تحقيق هذين المرتكزين يعتبر أفضل مدخل للتفاعل الإيجابي والاستباقي مع مختلف التدابير ذات الأولوية التي ينص عليها مشروع الإصلاح التربوي بالمملكة. فالارتقاء بالوضع المهاري والمعرفي للمتعلم، وتحقيق قيم الإنصاف في التربية شرط أساس في عملية التعلم.
هذا الملتقى الذي تواصل على مدى يومين تميز بالجدية في عمل الفريق التقني الجهوي لبرنامج التعاون مع منظمة اليونيسيف وعمق انخراط أعضاء الفريق في تدبير مكونات هذه الشراكة الإيجابية مع المنظمة. كما أسفرت أشغال هذا الملتقى على مجموعة من التوصيات التي مسَّت الجوانب الهامة من عملية تدبير الشأن التربوي بالجهة، ومن أهمها استكمال عُدَّةِ مشروع «إنصاف» من أجل تدقيقها، والدعوة إلى تقاسمها، والدعوة إلى إلزامية التنسيق إقليميا باعتماد لقاءات خاصة بالفريق التقني على مستوى النيابات تحت الإشراف المباشر للسادة النواب، والمرافعة من أجل مشروع تمدرس الفتاة القروية، في ظل معرفة بمؤشرات هذا التمدرس في الوسط القروي مع ضرورة توسيع عدد نيابات اشتغال مشروع التعاون بين اليونيسيف والأكاديمية.
كما دعا الملتقى إلى تمكين المدبرين الإقليميين من كل أشكال الدعم المعرفي والمنهجي لتفعيل عملية تدبير مختلف ملفات التعاون، والتركيز على الارتقاء بوضعية التعليم الأولي، مع اشتراط معرفة من له الحق في الاشتغال ومصاحبة الوزارة في تدبير هذا الملف من مكونات المجتمع المدني، مع تمكينه من موضوع الإعداد، ومع فتح ورش لصياغة دفتر تحملات موافق عليه؛ إضافة إلى ضرورة التركيز على الأطفال الموجودين خارج المنظومة.
وللإشارة فإن المحاور العامة التي تهكيل اشتغال الأكاديمية ومنظمة اليونيسيف لسنتي 2015/2016 هي الإنصاف في التربية من أجل القضاء على كل المعيقات التي تحول دون ولوج والاحتفاظ بكل الأطفال في المدرسة مع ضمان تعليم ذي جودة، وتنمية وتطوير التعليم الأولي مع التركيز على جودته، والتربية الدمجية لتمكين الأطفال في وضعية إعاقة من تعليم سهل الولوج وذي جودة، وتعزيز كفايات الشباب
واليافعين من أجل تسهيل الاندماج الاجتماعي والمهني.
غريب: واقع التعليم العالي لا يبشر بخير والبسبب غياب إرادة حقيقية للإصلاح
طالب بإيفاد لجنة وزارية للتحقيق في اختلالات جامعة شعيب الدكالي
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق